يقول الشاعر:
وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند.
تلاشت “فزعة الأهل والخلان” في حياتنا بسبب المدنية والحضارة، وسرعة وتيرة الحياة وتسابقها نحو المال والجاه، فأصبح “الدم ماءً”، وبات الكثير منّا لا يعرف صاحبه من عدوه، فقد جرفتنا تيارات الحياة بعيداً، وعصفت بنا المشاغل إلى حد نسينا فيه واجباتنا الأسرية المهمة ومسؤولياتنا تجاه بعضنا!، وانطبق علينا المثل (الأقارب عقارب).. وآمل أن لا أكون قد ظلمت العقرب ففيه صفة خطيرة يجلُها كثيرون، وهي أنه لا يقبل الهزيمة، وإن هُزم في صراع يفرز جسده مادة سامة تقضي عليه فيموت بشرف وكبرياء ..!!ونراه لم يقل (كالعقارب) بل قال (عقارب)، ليُعطي دلالة أكبر على سمة التلون والتشكل الشاذ الذي تفرزه النفس الأمَّارة بالسوء.
فالخذلان أقسى من الهزيمة وأشدها مرارة من الخيبة، وما بالك حينما تكون ممن نُحٓــب ونحترم ونعز ونقدر من الاقارب والأهل ، حتى زادت “الفشخرة” و”الدنيا تغيّرت” و”النفوس قد شانت من جمالها” وصرنا أقارب دائما نقول “ما لي علاقة”، وتسبب بابتعاد الابناء وتشتت الأسر حتى اصبحوا لا يعرفون أخبار بعضهم البعض إلاّ “بالواتس آب” هذا وان كان هناك تواصل و تنازل عن بعض فيروسات القناعات وقمنا بتوزيع التهم للمدنية و تطوراتها ومبانيها الشاهقة بما جرى بين أُلفة الدم تلك التي ضربت بضجيج الحياة حياتنا، وأصبح من يعرفك يتهرب منك بقصد أوغير قصد إذا رآك في مكان ما أو إذا طلبت منه يد العون..
التفكك الذي يحصل في كثير من الأسر الخليجية والسعودية على وجه الخصوص دائما تبدو ذكرى أليمة وجرحاً بليغا يحتاج لجهد الكثير كي يلتئم.. فقديماً كان الناس يعيشون وكأنهم في منزل واحد وأسرة واحدة، ودائما ماكنت تردد والدتي رحمة الله عليها “يا زين حياة الأولين”.. “ ولم أكن أعرف معناها ولكن بعد أن غادرت هذه الدنيا الفانية عرفت معناها وتفصيلها وأيقنت بأن “حياة الأولين “هي أن تكون العائلة مجتمعة على قلب واحد لا يشتكي أحد من مشكلة إلاّ ويجد لها حلولاً” من صغيرهم قبل كبيرهم ويتنازل الكبير للصغير مهما كان حجم الاختلاف .
أخيراً.. يجب أن تبقى الحياة الجميلة رغم الخذلان ومرارتــه، فالحياة تحتاج منــّا تضحيات كي تعطينا القليل والقلـــيل جداً من الرغبــــات، فهناك مساحة للعفو والتسامح، ولكن يظل الخذلان مراً بوجهه القبيح متنكراً في ثياب الخزي والعار والفرقة ، ويظل السؤال: كيف يخذلنا من نلجأ إليه بعد الله عندما يخذلنا الآخرون..؟!
كفانا الله وإياكم شر الخذلان والخاذلين والمتخاذلين..!
خاتمه : رحم الله والدتي حينما قالت لي ” يا زين حياة الأولين “